كلنا في
درجة ما من العمق بداخلنا .. نعلم جيدا أن هنالك ما لايشفيه الزمن ، أن هنالك
أنواع من الخذلان لا تبارح الذاكرة ، و أحيانا آلام عميقة ، أو عدم ارتياح في
القلب لأمر لا ندركه بوعينا ..
عموما ،
كنت قد تركت الواحة الخضراء .. و حركني حبي الكبير لهذا العالم المليء بالعجائب ..
لأن أتسلق الجبال التي تحيط بالواحة من كل جهة ، كان المغامرون يتجهون شمالا عند
كل مغامرة جديدة ، كان المتفائلون يتجهون شرقا .. تيامنا منهم . فاتجهت أنا مابين الجنوب و الغرب .. لم أسلك
طريقا واضحا .. بل سلكت طريقا مجهولا تعتريني فيه الدهشة عند كل منعطف ...
وصلت إلى
الجبال الفاصلة بين ما أعلم و ما لا أعلم ، بين ما أريد و ما أهاب ، بين الآن و
الغد و كل مصيري .. و صلت هنالك و لعلي توقفت لبرهة أتأمل .. و قليلا أنازع نفسي
.. أن أعود ، أو أذهب مع رفيق يؤنس خوفي ، ولكني عزمت الأمر أخيرا .. بأن أمضي
لأتسلق الجبل .
الرحلة
إلى الأعلى مخيفة جدا ، مع كل نفس آخذه تمتلئ رأتاي بهواء لم أعرفه من قبل ، مع كل
خطوة نحو الأعلى كانت دواخلي تتغير ، كانت مخاوفي تزداد ، و شهيتي لأعرف أكثر تنمو
بطريقة مخيفة .. لن تمكنني من السيطرة
عليها بعد الآن ..
و صلت إلى القمة وكلي مزيج من كل شيء ، كل المخاوف و الرجاء ، كل التأملات و
الخيلات و الواقع ، و كل شيء من ظلام و نور .. وصلت إلى الأعلى لأجد الأرض جرداء
.. ليست قمة جبل هذه .. هذه أرض المتاهات!
كانت الأرض مسطحة حتى الأفق ، على الأرض كم هائل من الحفر ، كنت أخطو بينها و
تفصلني عن الهاوية زلة قدم لألقى حتفي في الظلام ..
أنا لا
أرى النهاية .. وسرت بعيدا لدرجة أنني تهت عن البداية .. أنا الآن في وسط الوهم و
التوهان ، أسمع أصواتا تأتي من الظلام الذي ينبع من أسفل ، أنظر إلى الأعلى لا
لأجد السماء ..
كنت أغمض
عيناي لأرى نجمة .. و أغمضها أخرى لأرى زهرة تبتسم في البستان .. إلى أي حد مضيت
بعقلي ؟ إلى ذلك الحد الذي لا عودة منه ..
ووسط خوفي
ورجائي ، أستسلم لحظة للنوم على شفا هاوية بجانبي .. و أحلم أنني بالواحة الخضراء
.. تربطني حبال على جذع شجرة مثمرة .. و أن الثمارتتساقط فوق رأسي .. و أن الأصدقاء يبتسمون ، و أنا أتسائل .. لم لا
يفكون وثاقي إلى الحرية ؟ فأصرخ بهم
لأستيقظ ..
أستيقظ على لهب لا أعلم من أين جاء .. كاد ينال مني لولا أنني تجمدت للحظة ، و
أغدو أتسائل عن فحوى الحلم .. و أنا هنا أين الديل على كل شيء .. طريق أسير فيه
وحدي ، و عالم يحتويني وحدي الآن ، ولا مخرج لي ، و ينالني الإرهاق تارة .. فأفكر
بالقفز في الظلام .. لكنني .. ولا أزال ، أسمع أصواتا في المدى .. ولا أعلم من أين
جائت .. أمن الظلام حقا ؟
و يمنعني
الآن من أن أجن .. صوت بعيد ، و أمل ضئيل و حلم واسع لا ينتهي .
4-
نوفمبر - 2014
الثلاثاء